تعتبر الوساطة واحدة من أبرز الوسائل البديلة لحل النازعات، ولها دور بالغ الاثر في تحقيق رؤية المملكة 2030 وترسيخ مسيرة العدل ، وهي عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي يقوم بها الوسيط وهو الشخص المُحايد من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة بتوظيف مهاراته المُستحدثة في إدارة المفاوضات ومساعدة أطراف النزاع على تقريب وجهات نظرهم وتسوية نزاعاتهم بشكل ودي قائم على التوافق والتراضي بعيداً عن التقاضي ، وهي نظام قديم لتسوية المنازعات، عرفته البشرية منذ زمن بعيد، وأرست قواعده وحثت عليه الشريعة الإسلامية الغراء، واستقبلته العديد من الدول الأجنبية وبعض الدول العربية في العصر الحديث استقبالاً حسناً فرضته طبيعة الحياة ومصالح المجتمعات.
وتتبوأ الوساطة والصلح مكانة وأهمية كبيرة من عدة نواح، ومن صور تلك الاهمية عناية الإسلام بها حيث أن الإسلام جعل الإصلاح بين الناس من خير الأعمال كما قال الله تعالى: ” لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاـهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَبِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ ” . ، كما أن الإسلام رفع درجة المُصلح والوسيط بين المتخاصمين للإصلاح بينهما. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال إصلاح ذات البين، فإن فساد البين هي الحالقة) ، ويقول ابن رشد: ” فالإصلاح بين الناس فيما يقع بينهم من الخلاف، والتداعي في الأموال وغيرها من نوافل الخير المرغوب فيها، المندوب إليها ” ، كما جاء في كشاف القناع للبهوتي : ” وهو أي الصلح من أكبر العقود فائدة؛لما فيه من قطع النزاع والشقاق ” ؛ ولذلك فإن الوساطة لحل النزاع والوصول إلى صلح بين الطرفين أمر مشروع في الشريعة الإسلامية، بل ومندوب إليه، ويعد من أفضل القرب.
وتجدر الاشارة إلى أن الوساطة من أهم وسائل حل المنازعات وتسويتها، والإصلاح بين الناس على مختلف المستويات، بين عموم الأفراد، والأسر، وكذا الشركات الحديثة.ومتى ما أمكن تسوية النزاع عن طريق الوساطة والصلح كان أقرب إلى صفاء النفوس، وتحقيق الأمن المجتمعي، إضافة إلى ما يحققه طرفا النزاع من مصالح كثيرة، تتمثل في توفير الوقت والجهد والمال خاصة في العصر الحاضر الذي يتطلب فيه الولوج إلى القضاء الكثير من الجهد والوقت .
وقد تطور واقع الوساطة في تسوية المنازعات – من حيث الإدارة والأساليب – من المبادرات الفردية والجماعية إلى المؤسسية المعاصرة حيث وجدت مكاتب الوساطة في المحاكم، وغرف التسوية، ومراكز الصلح والوساطة التي تقوم بإدارة الدعوى، ودراسة القضية،والسعي للصلح وتسوية النزاع وفق مراحل منظمة، وآليات وأسس عملية متقدمة، ولقد أصبحت الوساطة ضرورة ملحة فرضها واقع القضاء، وطول إجراءاته وتكدس القضايا، وتكريس العداوات، وقطع الروابط بين الأطراف المختلفة، في حين تحافظ الوساطة على مصالح الأطراف وديمومة الترابط بينهم؛ والوساطة كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات تتوقف على إرادة أطراف النزاع، ويتوقف نجاحها على رغبتهم في ذلك وتوافر حسن النية لديهم، وعلى دور الوسيط الذي يجب أن يكون متمتعاً بالعديد من الصفات والمهارات للقيام بهذه المهمة النبيلة.
ولعل الأخذ بنظام الوساطة أصبح نهج دولي تهتم به التشريعات والمنظمات الدولية والإقليمية، وتنص عليه الاتفاقات والمعاهدات الدولية، مما ساهم في تأطير هذه الوسيلة وزيادة العاملين بها في ظل الاهتمام بما عرف بالعدالة اللينة.
وقد اهتمت المملكة العربية السعودية بالوساطة وتناولتها العديد من الأنظمة مثل نظام المحاكم التجارية الجديد الذي أعطى اهتمام بالغ لحل النزاع بالمصالحة أو الوساطة، إذ لا يجوز في بعض النزاعات اللجوء إلى المحكمة التجارية إلا بعد اللجوء للمصالحة أو الوساطة وإثبات عدم التوصل لحل من خلالهما مما يخفف من العداوات ويقلل من العبء الملقى على عاتق المحاكم التجارية، وكذا نظام الوساطة العقارية الجديد ، وتعزيز دور مكاتب الصلح بمحاكم الاحوال الشخصية ، وممارسة أنشطة الوساطة والتوفيق في الامتياز التجاري من خلال الدور الذي يقوم به مركز الامتياز التجاري، وما يقوم المركز السعودي للتحكيم التجاري بتقديم خدمات تسوية النزاعات، والإشراف عليها، شريطة أن تتضمن العقود بين الأطراف حكمًا بأن يسوى أي نزاع وخلاف ينشأ عن العقد ؛ ومع أهمية الوساطة وازدياد اللجوء إليها نرى أن الحاجة أصبحت ماسة لصدور تنظيم خاص لها لما لذلك من ضرورة وانعكاس إيجابي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية
وفي الختام فإن الوساطة تمثل بصفة عامة نظاماً متفرداً يقوم على إيجـاد وتـوفير فرصـة للتحـدث والتفاوض ،فهي وسيلة هامة وضرورية خاصة فيما يتعلق بالحـد مـن سـلب ظاهرة بطء التقاضي ؛ كما أن فاعلية دور الوساطة في تسوية النزاعات تساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف المملكة حوالي رؤية 2030 ولاستخدامها كآلية فعالة – ضمن آليات أخرى عدة – لتحقيق التنمية الاقتصادية المرجوة ، الأمر الذي يجب معه تهيئة كل السبل المادية والبشرية لإنجاح وتفعيل نظام الوساطة ، والعمل على إنشــاء كيــان مســتقل لتكــون المظلــة الموحــدة الشــاملة للمصالحــة والتســوية الوديــة داخــل المملكــة .
لا تعليق